كلمــــة مديـــــر المركـــــــز

د. مصطفى الطاهر العائب

تشهد الطاقات المتجددة اهتماما عالميا منذ عقود وإن كان هذا الاهتمام ازداد بتسارع كبير خلال السنوات الأخيرة؛ فمع الطلب المحموم على الطاقة عالمياً صار نضوب المصادر التقليدية للطاقة والتلوث الذي يصاحب استهلاكها يقضّان مضاجع البشرية. وبطبيعة الحال البديل المطلوب ينبغي أن يكون آمن للبيئة وغير ناضب ، وهذا لا يتأتى حالياً إلا في مصادر الطاقات المتجددة.

تكتسب الطاقات المتجددة أهمية خاصة في ليبيا، فالنفط هو مصدر الدخل الوحيد تقريبا حتى الآن، وحرق النفط لتأمين امدادات الطاقة يعني فقدان كميات هائلة من الثروة القومية بالإمكان توفيرها إذا ما استخدمت الطاقات المتجددة في سد قدر من احتياجات الطاقة. بل إن وجود النفط حاليا هو فرصة ذهبية للاستثمار في الطاقات المتجددة لتغدو مصدرا بديلا للدخل للأجيال القادمة. إن البحث والتطوير والاستثمار في مجال الطاقات المتجددة ليس ترفا علميا ولا دعاية إعلامية عابرة، بل هو حاجة ملحة وسباق مع الزمن، فدول العالم تتنافس اليوم لاكتساب هذه التقنيات، وكل يوم يمضي يباعدنا عن الركب مسافات، وتهدر ثروتنا النفطية بغير جديد آت، وتضمحل بذلك فرص النجاة.

نظريًا يمكن للطاقات المتجددة تغطية الطلب العالمي المتزايد على الطاقة دون مشاكل، ولكن هذا لا يعني أن الانتقال من الوضع القائم إلى الوضع الجديد سيتم بلا مشاكل.. فالأمر يتطلب الكثير من جهود البحث والتطوير وتجديد البنى التحتية لتناسب التقنيات الجديدة، وهذا ما تسعى فيه المختبرات العالمية ومراكز البحوث والشركات العاملة في المجال بخطى حثيثة من خلال التعاون المشترك والتكامل البنّاء والخطط الجادة. وعلى النقيض من ذلك تأتي الكثير من جهود البحث والتطوير في بلداننا فردية مشتتة، دون أولويات تنظمها ولا دعم يذكر في عمومها. هدفها الأساس هو تحقيق متطلبات الترقية العلمية لصاحبها؛ فلرب بحث لا يمت إلى واقعنا بصلة، ولرب بحث حديث عفا عنه الزمن، ولرب بحث محكّم أقرب إلى مقالة ثقافية.. وتدور عجلة الأيام ولا تحقق أبحاثنا خلا مزيدا من الأسطر في سيرنا الذاتية… فهل إلى خروج من سبيل؟

إن أول خطوة نخطوها على هذه الطريق، أن ندرك مدى جهلنا، وأن نحدد حقيقة ما نريد، وأن نخترق سديم المظاهر وزبد الجهل المقنع، لنصل إلى ما ينفع الناس ويمكث في الأرض؛ ولذا فإننا في مركز الطاقات المتجددة نرى سبيل الخروج في خمسة جسور لا مناص من مدها فوق الهوة السحيقة التي تفصلنا عن الركب، وسنعمل بعون الله ومشيئته على تحقيقها؛ تتمثل تلك الجسور في ما يأتي :


• بناء الكوادر العلمية القادرة على الدخول في شراكة مع الآخروتوطين خبرة حقيقية في المجال.
• وضع لوائح وآليات ديناميكية سلسة ومحكمة، تمنح الحوافز وتحدد الأولويات وتكبح الفساد.
• بناء ورش ومختبرات لتحويل الأفكار الإبداعية إلى واقع والتحقق من أدائها وفق أحدث المواصفات.
• تأسيس حقول تجريبية لتطويع التقنية للبيئة المحلية وجذب الاستثمارات العلمية.
• التكامل مع المؤسسات المحلية، والتعاون المشترك مع المختبرات الدولية ذات العلاقة.

والآن أيها القارئ الكريم، اعلم أنك أنت من نعول عليه ونمد أيدينا إليه، وندعوك إلى الانضمام إلى قاعدة بيانات المركز، ولنحقق الحلم معاً بإذن الله. فقد كان المركز يومًا فكرة تختمر في العقول، وطيف يتراءى كالسراب يظهر حينا ويزول، ثم تخلّق في رحم المعاناة وخرج إلى الوجود في أناة، وسيُنشز بنيانه – بعون الله- إلى عنان السماء، فلا تبخل عليه بعلمك وخبرتك إن كنت من ذوي الاختصاص، ولا تبخل على أمتك ببناء نفسك إن وجدت في نفسك القدرة على العطاء في هذا السبيل، ولا تبخل بالوقوف معنا في خندق التحديات إن لم تكن من هؤلاء ولا هؤلاء. ولنقدح معا زناد الإرادة ونضيء مصباح العلم لتشرق مشكاة الوطن وتشرئب أعناقنا نحو مستقبل رشيد.